فصل: تفسير الآية رقم (77):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (73):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [73].
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} قيل: مجاهدة المنافقين بالحجة لا بالسيف.
قال في العناية: ظاهر الآية يقتضي مقاتلة المنافقين، وهم غير مظهرين للكفر، ونحن مأمورون بالظاهر، فلذا فسر الآية السلفُ بما يدفع ذلك، بناء على أن الجهاد بذل الجهد في دفع ما لا يرضى، سواء كان بالقتال أو بغيره، وهو إن كان حقيقة فظاهر، وإلا حمل على عموم المجاز، فجهاز الكفار بالسيف، وجهاد المنافقين بإلزامهم الحجج، وإزالة الشبه ونحوه، أو بإقامة الحدود عليهم، إذا صدر منهم موجبها، كما روي عن الحسن في الآية.
وقيل عليه بأن إقامتها واجبة على غيرهم أيضاً، وأجيب بأنها في زمنه صلى الله عليه وسلم أكثر ما صدرت عنهم. انتهى.
قال ابن العربي: هذه دعوى لا برهان عليها، وليس العاصي بمنافق، إنما المنافق بما يكون في قلبه من النفاق كامناً، لا بما تتلبس به الجوارح ظاهراً، وأخبار المحدودين يشهد سياقها أنهم لم يكونوا منافقين.
وقال ابن كثير: روي علن عليّ رضي الله عنه قال: بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف، سيف للمشركين: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}، وسيف للكفار أهل الكتاب: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} الآية، وسيف للمنافقين: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ}، وسيف للبغاة: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} الآية، وهذا يقتضي أنهم يجاهدون بالسيوف إذا أظهروا النفاق، وهو اختيار ابن جرير. انتهى.
وفي الإكليل استدل بالآية من قال بقتل المنافقين. انتهى.
{وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} أي: اشدد على كلا الفريقين بالقول والفعل {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.

.تفسير الآية رقم (74):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [74].
{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا} أي: فيك شيئاً يسوءُك {وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} قال قتادة: نزلت في عبد الله بن أبيّ، وذلك أنه اقتتل رجلان: جهني وأنصاري، فعلا الجُهَنِي على الأنصاري، فقال عبد الله للأنصار: ألا تنصرون أخاكم! والله، ما مثلنا ومثل محمد إِلّا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك. وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزُّ منها الأذلّ، فسعى بها رجل من المسلمين إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه فسأله، فجعل يحلف بالله ما قاله، فأنزل الله فيه هذه الآية.
وروى الأموي في مغازيه عن ابن إسحاق أن الجلاس بن سويد بن الصامت- وكان ممن تخلف من المنافقين- لما سمع ما ينزل فيهم قال: والله لئن كان هذا الرجل صادقاً فيما يقول، لنحن شرٌّ من الحمير، فسمعها عمير بن سعد، وكان في حجره، فقال: والله يا جلاس إنك لأحب الناس إليّ، وأحسنهم عندي بلاءً، وأعزهم عليّ أن يصله شيئاً تكرهه، ولقد قلت مقالة، فإن ذكرتها لتفضحني، ولئن كتمتها لتهلكنّي، ولإحداهما أهون عليّ من الأخرى.
فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر له ما قال الجلاس، فلما بلغ ذلك الجلاس، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلف بالله ما قالها، فأنزل الله عزَّ وجلَّ فيه: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ} الآية، فوقفه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها، فزعموا أن الجلاس تاب فحسنت توبته ونزع فأحسن النزوع.
وهاتان الروايتان وغيرهما مما روي هنا، كله مما يفيد تنوع مقالات وكلمات مكفرة لهم مما هو من هذا القبيل، وإن لم يمكنّا تعيين شيء منها في هذه الآية.
وقوله تعالى: {وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا} قال ابن كثير: قيل أنزلت في الجلاس بن سويد، وذلك أنه هم بقتل عمير ابن امرأته، لما رفع كلمته المتقدمة إلى النبيّ صلوات الله عليه.
وقد ورد أن نفراً من المنافقين هموا بالفتك بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو في غزوة تبوك، في بعض تلك الليالي، في حال السير، وكانوا بضعة عشر رجلاً.
قال الضحاك: ففيهم نزلت هذه الآية.
قال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا يزيد أخبرنا الوليد بن عبد الله بن جميع، عن أبي الطفيل قال: لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، أمر منادياً فنادى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ العقبة، فلا يأخذها أحد.
فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوده حذيفة، ويسوق به عمّار، إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل، غشوا عماراً، وهو يسوق برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل عمار رضي الله عنه يضرب وجوه الرواحل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحذيفة: «قُدْ، قُدْ»، حتى هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل، ورجع عمار! فقال: يا عمار! هل عرفت القوم؟ فقال: قد عرفت عامة الرواحل، والقوم متلثمون.
قال: هل تدري ما أرادوا؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: أرادوا أن ينفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم فيطرحوه. فقل: فسابَّ عمار رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «نشدتك بالله، كم تعلم كان أصحاب العقبة»؟ قال: أربعة عشر رجلاً. فقل: «إن كنت فيهم فقد كانوا خمسة عشر».
قال فعدّد رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ثلاثة، قالوا: والله ما سمعنا مناديَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما علمنا ما أراد القوم.
فقال عمار: أشهد أن الإثني عشر الباقين حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.
{وَمَا نَقَمُوا} أي: ما أنكروا وما عابوا {إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} فإنهم كانوا قبل مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة في ظنك من العيش، فأثروا بالغنائم، وقتل للجلاس مولى، فأمر له النبيّ صلى الله عليه وسلم بديته فاستغنى.
والمعنى أن المنافقين عملوا بضد الواجب، فجعلوا موضع شكر النبيّ صلى الله عليه وسلم ما همّوا به، ولا ذنب إلا تفضله عليهم، فهو على حد قولهم: ما لي عندك ذنب إلا أني أحسنت إليك، وقول ابن قيس الرقيّات:
ما نَقِمَ الناسُ من أُمَيَّة ** إلا أنَّهم يحملُونَ إنْ غضِبُوا

وقول النابغة:
ولا عيْب فيهِم غيرَ أنَّ سُيوُفهُم ** بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِراعِ الكتائب

ويقال: نقم من فلان الإحسان، كعلم إذا جعله مما يؤديه إلى كفر النعمة كما في التاج.
ثم دعاهم تعالى إلى التوبة بقوله: {فَإِنْ يَتُوبُوا} أي: من الكفر والنفاق {يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا} أي: بالقتل والهم والغم {وَالْآخِرَةِ} أي: بالنار وغيرها {وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ} أي: يشفع لهم في دفع العذاب.
{وَلا نَصِيرٍ} أي: فيدفعه بقوته.
ثم يبين تعالى بعض مَنْ نقم لإغناء الله تعالى إياه بما آتاه من فضله، ممن نكث في يمينه، وتولى عن التوبة، بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (75):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [75].
{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} أي: حلف {لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} أي: بإعطاء كل ذي حق حقه.

.تفسير الآية رقم (76):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [76].
{فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا} أي: من العهد: {وَهُمْ مُعْرِضُونَ}.

.تفسير الآية رقم (77):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ} [77].
{فَأَعْقَبَهُمْ} أي: فجعل الله عاقبة فعلهم ذلك، أو فأورثهم البخل {نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ} أي: من التصدق والصلاح {وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ} في العهد.

.تفسير الآية رقم (78):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [78].
{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ} أي: ما أسروه من النفاق والعزم على إخلاف ما وعدوه وما يتناجون به فيما بينهم من المطاعن في الدين {وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} أي: ما غاب عن العباد.
تنبيهات:
الأول: قال السيوطي في لباب النقول: أخرج الطبراني وابن مردويه وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل بسند ضعيف عن أبي أمامة، أن ثعلبة بن حاطب قال: يا رسول الله! ادع الله أن يرزقني مالاً. قال: «ويحك يا ثعلبة! قليل تؤدي شكره، خير من كثير لا تطيقه». قال: والله لئن آتاني الله مالاً لأوتين كل ذي حق حقه. فدعا له، فاتخذ غنماً، فنمت حتى ضاقت عليه أزقة المدينة، فتنحى بها، وكان يشهد الصلاة ثم يخرج إليها، ثم نمت حتى تعذرت عليه مراعي المدينة فتنحى بها، وكان يشهد الصلاة ثم يخرج إليها، ثم نمت حتى تعذرت عليه مراعي المدينة، فتنحى بها، فكان يشهد الجمعة ثم يخرج إليها، ثم نمت، فتنحى بها، فترك الجمعة والجماعات، ثم أنزل الله على رسوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}، فاستعمل على الصدقات رجلين، وكتب لهما كتاباً، فأتيا ثعلبة، فأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: انطلقا إلى الناس، فإذا فرغتم فمروا بي ففعلا، فقال: ما هذه إلا أخت الجزية، فانطلقا، فأنزل الله: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} إلى قوله: {يَكْذِبُونَ} الحديث.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه، من طريق العوفي عن ابن عباس نحوه، وفيه أنه جاء بعدُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصدقته له: «إن الله منعني أن أقبل منك»، فجعل التراب على رأسه. فقال: «هذا عملك، قد أمرتك فلم تطعني»، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء بها إلى أبي بكر رضي الله عنه فلم يقبلها، وكذا عمر وعثمان، ثم إنه هلك في أيام عثمان.
قال الشهاب: مجيء ثعلبة وحثوه التراب، ليس للتوبة من نفاقه، بل للعار من عدم قبول زكاته مع المسلمين، وقوله صلوات الله عليه: «هذا عملك»، أي: جزاء عملك، وهو عدم إعطائه المصدقين، مع مقالته الشنعاء.
قال الحاكم: إن قيل: كيف لم تقبل صدقته وهو مكلف بالتصدق؟ أجيب:
بأنه يحتمل أن الله تعالى أمر بذلك، كيلا يجترئ الناس على نقض العهد، ومخالفة أمر الله تعالى، وردّ سعاة النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويكون لطفاً في ترك البخل والنفاق.
الثاني: قال بعض المفسرين من الزيدية: ثمرة الآية وسبب نزولها أحكام:
منها: أن الوفاء بالوعد واجب، إذا تعلق العهد بواجب، والعهد إن حمل على اليمين بالله، فذلك ظاهر، وإن حمل النذر، ففي ذلك تأكيد لما أوجب الله.
ومنها: أن للإمام أن يفعل مثل ذلك لمصلحةٍ، أي: يمتنع من أخذ الواجب إذا حصل له وجه شابه الوجهَ الذي حصل في قصة ثعلبة. انتهى.
الثالث: قال السيوطي في الإكليل: فيها أن إخلاف الوعد والكذب من خصال النفاق، فيكون الوفاء والصدق من شعب الإيمان.
وفيها المعاقبة على الذنب بما هو أشد منه لقوله: {فَاَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً} واستدل به قوم على أن من حلف إن فعل كذا فلله علي كذا، أنه يلزمه.
وآخرون على أن مانع الزكاة يعاقب بترك أخذها منه، كما فعل بمن نزلت الآية فيه. انتهى.
الرابع: قال الرازي: ظاهر الآية يدل على أن نقض العهد، وخلف الوعد، يورث النفاق، فيجب على المسلم أن يبالغ في الإحتراز عنه، فإذا عاهد الله في أمر فليجتهد في الوفاء به.
ومذهب الحسن البصري رحمه الله أنه يوجب النفاق لا محالة، وتمسك فيه بهذه الآية، وبقوله عليه السلام: «ثلاث من كن فيه فهو منافق، وإن صلى وصام وزعم أنه مؤمن: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان».
الخامس: دل قوله تعالى: {إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} على أن ذلك المعاهد مات منافقاً.
قال الرازي: وهذا الخبر وقع مخبره مطابقاً له، فإنه روي أن ثعلبة أتى النبي صلى الله عليه وسلم بصدقته فقال: «إن الله تعالى منعني أن أقبل صدقتك». وبقي على تلك الحالة، وما قَبِلَ أحدٌ من الخلفاء رضي الله عنهم صدقته حتى مات، فكان إخباراً عن غيب، فكان معجزاً.
السادس: الضمير في يلقونه للفظ الجلالة، والمراد باليوم يوم القيامة، وله نظائر كثيرة في التنزيل.
وأعرب بعض المفسرين حيث قال: الضمير في يلقونه إما لله، والمراد باليوم وقت الموت، أو للبخل والمراد يوم القيامة والمضاف محذوف، وهو الجزاء. انتهى.
واللقاء إذا أضيف إلى الكفار كان لقاءً مناسباً لحالهم من وقوفهم للحساب مع حجبهم عنه تعالى، لأنهم ليسوا أهلاً لرؤيته، تقدس اسمه.
وإذا أضيف إلى المؤمنين، كما في قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ}، كان لُقْياًَ مناسباً لمقامهم من رؤيته تعالى، وذلك لما أفصحت عنه آيات أخر من حال الفريقين، مما يتنزل مثل ذلك عليها.
فمن وقف في بعض الآيات على لفظة، وأخذ يستنبط منها، ولم يراع من استعملت فيه، وأطلقت عليه، كان ذلك جموداً وتعصباً، لا أخذاً بيد الحق.
نقول ذلك ردّاً لقول الجبائي: إن اللقاء في هذه الآية لا يفيد رؤيته تعالى، للإجماع على أن الكفار لا يرونه تعالى، فلا يفيدها أيضاً في قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ}.
وللرازي معه مناقشة من طريق أخرى. وما ذكرناه أمتن. والله أعلم.
السابع: قال الرازي: السر ما ينطوي عليه صدورهم، والنجوى ما يفاوض فيه بعضهم بعضاً فيما بينهم، وهو مأخوذ من النجو، وهو الكلام الخفي، كأن المتناجييْن مَنَعَا إدخال غيرهما معهما، وتباعدا من غيرهما.
ثم بين تعالى من مساوئ المنافقين نوعاً آخر، وهو لمزهم المتصدقين بقوله سبحانه: